يعتبر التهاب الشبكية الصباغي مجموعة من أمراض شبكية العين الوراثية، والتي يفقد فيها المصاب الخلايا المستقبلة للضوء بشكل تدريجي، وهو ما يعرف بموت الخلايا المبرمج.
ويصيب في المقام الأول الخلايا العصوية، وهي نوع من مستقبلات الضوء وتعد مسؤولة عن الرؤية الليلية، وكذلك الظهارة الشبكية المصطبغة.
وترجع هذه الإصابة إلى طفرات الإنزيمات والبروتينات التي تحدث في هذه الأنسجة، ويعتبر هذا المرض سبباً كبيراً في الإصابة بفقدان البصر.
يصاب في العادة بهذا المرض الأشخاص من المرحلة العمرية الواقعة بين سن 25 إلى 40 عاماً، ويتسبب في فقد تدريجي لقوة الإبصار، بالإضافة إلى عيوب في المجال البصري والعمى الليلي.
ونتناول في هذا الموضوع مرض التهاب الشبكية الصباغي بكل تفاصيله، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة، وكذلك أعراضها التي تميزها عن غيرها من المشاكل المتشابهة، ونقدم طرق الوقاية الممكنة التي ينصح بها الباحثون والمختصون، وأساليب العلاج المتبعة والحديثة.
100 سنة
تبدأ أعراض مرض التهاب الشبكية الصباغي بشكل مبكر، والذي يشمل الوهج، وصعوبة التكيف مع الظلام، بالإضافة إلى فقد تدريجي لمجال الإبصار وعيوب في الرؤية الليلية.
وتعود تسمية المرض بهذا المسمى لأكثر من 100 عام، حيث أطلق على مرض ظهر كبقع لونية في قاعدة العين.
وساد في البداية اعتقاد أن الحديث يدور حول التهاب، إلا أنه اتضح في القرن العشرين أن المرض وراثي وسببه خلل جيني.
واتضح كذلك أن هذا المرض يتطور إلى الوصول لدرجة العمى مع تقدم المصاب في السن، وتوجد مجموعة من الجينات التي أصيبت بالطفرة وراء هذا المرض، ولم يعرف منها سوى أقل من 10 جينات حتى الآن.
مشاكل الرؤية الليلية
تظهر أعراض مشكلة التهاب الشبكية الصباغي الأولية بشكل عام في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث يلاحظ الأبوان بوادر مشكلة في الرؤية الليلية لدى طفلهما، وذلك في حدود 5 سنوات من عمره، ويعد العمى الليلي عرضاً عاماً لهذا المرض.
ويعتبر العرض الثاني من حيث الانتشار تقلص مجال الرؤية، وهي شكوى غالبية المصابين بهذا المرض، بما يعادل أكثر من 90% من إجمالي المرضى، ومقابل ذلك فإن التأثير على حدة الرؤية، أو الرؤية المركزية يكون متنوعا للغاية.
نقاط سوداء
يوجد بعض المرضى المصابين بالتهاب الشبكية الصباغي لا تتأثر لديهم الرؤية المركزية حتى جيل متقدم، وذلك على الرغم من فقد البعض الآخر للرؤية المركزية في العقد الثالث.
وتكون هناك بعض العلامات التي تبدو في العينين متغيرة، وذلك بحسب مدة الإصابة بالمرض، وبصفة عامة فإن العقد الأول من العمر لا تظهر على العينين أي علامات بارزة.
وتظهر خلال العقد الثاني نقاط وبقع ذات لون فاتح في عمق الشبكية، وأيضاً نقاط سوداء، ونقاط صبغية في الشبكية نفسها.
ويحدث ضمور في الشبكية واصطباغ بصورة جسيمات عظمية، والتي تعد مميزة للمرض في وقت لاحق، وتعتبر من مضاعفات المرض الثانوية والشائعة تعكر في زجاجة العين بشكل كبير، وكذلك حالة الساد.
مرض وراثي
يوجد في شبكية العين نوعان من الخلايا، ووظيفتهما تجميع الضوء، النوع الأول مكانه حول الحلقة الخارجية للشبكية، وتنشط هذه الخلايا في الضوء الخافت، وفي الغالب فإنها تصاب بهذا المرض.
ويقع النوع الثاني في وسط شبكية العين، ويفقد المصاب المقدرة على رؤية الألوان عندما تصاب هذه الخلايا بالالتهاب، كما يحدث فقد للبصر بشكل تدريجي.
ويعتبر التهاب الشبكية الصباغي أحد الأمراض الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى الأجنة، وذلك عبر 60 جيناً مختلفاً.
وتوجد 4 طرق متنوعة لحدوث هذا الأمر، إما في صورة جينات سائدة أو متنحية أو مرتبطة بالجنس، ومن الممكن أن تحدث الإصابة به بشكل منعزل، أي أن المرض يصيب فرداً واحداً من العائلة من غير أن ينتقل لباقي الأسرة، وذلك من خلال التزاوج.
فحص إكلينيكي
يعتمد تشخيص الإصابة بمرض التهاب الشبكية الصباغي على فحص الطبيب للمصاب إكلينيكياً، ومع ذلك فلابد أن يخضع المريض لبعض الفحوص الضرورية، والتي يحدد من خلالها المختص شكل الإصابة ومكانها، وكذلك أسلوب العلاج المقترح.
وتشمل الفحوص التي يخضع لها المصاب إجراء منظار للعين، حيث يضع الطبيب قطرات لتوسيع حدقة العين، وحتى يتمكن من إلقاء نظرة بشكل أفضل على شبكية العين، وفي الحالات التي يظهر على سطح الشبكية لديها بقع داكنة، فيكون هذا دليلاً على الإصابة بمشكلة التهاب الشبكية الصباغي.
اختبار المجال البصري
يجري الطبيب للشخص المصاب اختبار المجال البصري، حيث ينظر عبر آلة توضع على مكان مسطح إلى نقطة محددة، وخلال تحديقه تظهر على الجانبين بعض الأضواء، وعندما يلاحظها المصاب يضغط على زر معين، وذلك حتى يتمكن الجهاز من إنشاء خريطة لمدى الرؤية.
ويقوم الطبيب بإجراء مخطط كهربية الشبكية، وذلك بوضع فيلم من رقائق الذهب أو العدسات اللاصقة على العين، ومن ثم يقيس مدى استجابة الشبكية لومضات الضوء، وأخيراً يجري الاختبار الوراثي، وذلك من خلال فحص الحمض النووي، حتى يتعرف على أي نوع من أنماط الالتهاب الذي يعانيه المصاب.
علاج بعض الحالات
يشير الأطباء إلى أنه لا يتوافر حتى الآن علاج ناجع لمرض التهاب الشبكية الصباغي، والعلاج الموجود لبعض الحالات الهدف منه الاحتفاظ بقدرات النظر، وتقليل أو تعطيل الإصابة بالعمى إلى أطول فترة ممكنة.
ويلاحظ أنه بصفة عامة من يحدد نوعية العلاج المتبعة هو أخصائي العيون، لأن هذه العلاجات قد لاتجدي مع كل المرضى.
وتشمل هذه الحالات علاجاً دوائياً بجرعات صغيرة، والتي من الممكن أن تساعد في حالات بعينها، كأن تكون الإصابة بحدة النظر بسبب خلل في البقعة، والتي تعتبر مركز الشبكية، وتحسن هذه الأدوية من الرؤية، وتعالج خلل الألوان وتخفف من حدة التهاب الشبكية.
تأجيل التدهور
تتضمن هذه الأدوية اسيتازولاميد، حيث من الممكن أن تصاب المنطقة الصغيرة التي توجد في مركز الشبكية بالتورم.
وتعرف هذه الحالة بالاستسقاء البقعي، وهو ما يؤدي إلى تقليل القدرة على الرؤية، ويخفف هذا العقار من التورم، وبالتالي يحسن الرؤية.
ويمكن أن يساعد بالميتات فيتامين «أ» بجرعة قليلة التركيز في تأجيل تدهور مجال الرؤية لدى بعض المصابين، وهو الأمر الذي تم إثباته عبر دراسة موسعة، كما تجرى العديد من الأبحاث الأخرى في هذا المجال، للاستفادة من هذه النتائج. ويجب الالتزام بتعليمات الطبيب، لأن الجرعات الكبيرة منه ربما كانت سامة، كما أنه في بعض الحالات يمكن إجراء جراحة لعلاج الساد، للحد من تدهور حالة المصاب، وتحسين مجال الرؤية قدر المستطاع.
النظارات وزراعة الشبكية
يشير عدد من الأطباء إلى أنه يتوافر بعض العلاجات الأخرى لمرض الشبكية الصباغي، والتي يمكن أن تكون مفيدة في هذه الحالة، ومنها استخدام النظارات الشمسية، والتي تقلل من حساسية العين تجاه الضوء، كما تحميها من تأثير الأشعة فوق البنفسجية المضرة لهذا المرض، حيث يبين الباحثون أن هذه الأشعة من الممكن أن تؤدي إلى خسارة سريعة لحاسة البصر.
وتعد زراعة الشبكية من العلاجات المبشرة لمشكلة التهاب الشبكية الصباغي، وفيه يضع الطبيب آلة كهربية داخل العين وفي المنطقة التي تحيط بها.
ويتم دمج هذه الآلة مع نوع من الزجاج بحيث يتمكن المصابون في المراحل المتأخرة من المرض من قراءة الحروف الكبيرة، كما يمكن لهم الحركة من غير الحاجة إلى عصا أو كلب مرشد أو مساعدة.
وتشمل العلاجات المتطورة أيضاً استبدال الخلايا والأنسجة التالفة بأخرى سليمة، والعلاج بالجينات، حيث توضع جينات سليمة داخل الشبكية، مكان الجينات المعطوبة، في محاولة للقيام بعملها الطبيعي.
وتساعد الأجهزة والآلات المصابين بالتهاب الشبكية الصباغي على تحسين مستوى الرؤية، كما أن خدمات إعادة التأهيل لها دور هي الأخرى في مساعدة المريض أن يعتمد على نفسه.